ابو نور Admin
عدد المساهمات : 198 نقاط : 591 تاريخ التسجيل : 12/07/2012
| موضوع: مختصر من حياة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 2012-09-13, 6:19 pm | |
|
مختصر من حياة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
الشيخ كاظم البهادلي
السلام عليك ياغريب الغرباء شمس الشموس وأنيس النفوس
1ـ مولده:
ولد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في الحادي عشر من شهر ذي القعدة يوم الخميس أو يوم الجمعة بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة بعد وفاة جدّه الصادق (عليه السلام) بأيام قليلة وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يتمنّى إدراكه.
فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال سمعت أبي جعفر بن محمد (عليهما السلام) غير مرّة يقول لي: «إنّ عالم آل محمّد (عليه السلام) لفي صلبك وليتني أدركته فأنّه سميّ أمير المؤمنين (عليه السلام)»(1).
أما أبوه فهو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وأمّا أمّه فهي أم ولد يقال لها أم البنين واسمها نجمة ويقال لها: تكتم. أيضاً اشترتها حميدة المصفّاة أم موسى (عليه السلام) وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها.
وروي أنّ حميدة رأت في المنام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لها: ياحميدة هبي نجمة لابنك موسى فأنّه سيولد له منها خير أهل الأرض فوهبتها له، فلمّا ولدت له الرضا (عليه السلام) سمّاها الطاهرة.
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن نجمة أم الإمام الرضا (عليه السلام) تقول: لمّا حملتُ بابني عليّ لم أشعر بثقل الحمل وكنتُ أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهولني فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً.
فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال لي: «هنيئاً لك يانجمة كرامة ربّك» فناولته إيّاه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنّكه به ثم ردّه إليَّ وقال: «خذيه فأنّه بقيّة الله في أرضه»(2).
وروي عن البزنطي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك (عليه السلام) إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده، فقال (عليه السلام): «كذبوا والله وفجروا بل الله تبارك وتعالى سمّاه الرضا لأنّه كان رضي الله عزّ وجلّ في سمائه ورضي لرسوله والأئمة من بعده (عليهم السلام) في أرضه».
قال: فقلتُ له: ألم يكن كل واحدٍ من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضي الله عزّ وجلّ ولرسوله والأئمة من بعده (عليهم السلام) فقال: «بلى»، فقلتُ: فلِمَ سُمّي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا؟ قال: «لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لأحدٍ من آبائه (عليهم السلام) فلذلك سمي من بينهم الرضا (عليه السلام)»(3).
2ـ فضائله ومناقبه ومعاجزه (عليه السلام):
فضائل ومناقب ومعاجز الأئمة خرجت من حدّ العدّ والإحصاء بل قد يكون حصرها مستحيلاً لكثرتها وعدم الإحاطة بها ومن هؤلاء الأئمة الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقد حوى من المناقب والفضائل ما أبهرت عقول البشر إضافة إلى ما وهبه الله من عِلمٍ دانت له الفرق والملل.
فقد روي عن أبي الصلت الهروي أنّه قال: ما رأيتُ أعلم من علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن عند آخرهم حتى ما بقي أحد منهم إلاّ أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور ولقد سمعت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليَّ بالرسائل فأجيب عنها.
وكان (عليه السلام) إذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير والكبير فيحدّثهم ويأنس بهم ويؤنسهم وكان (عليه السلام) إذا جلس على المائدة لا يدع صغيراً ولا كبيراً حتى السائس والحجّام إلاّ أقعده معه على مائدته(4).
ومن معاجزه (عليه السلام) ما روي عن الريّان بن الصلت أنّه قال: لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا (عليه السلام) فقلتُ في نفسي: إذا ودّعته سألتُه قميصاً من ثياب جسده لأكفّن به ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم فلمّا ودّعته شغلني البكاء والأسى على فراقه عن مسألته ذلك. فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي «ياريّان إرجع» فرجعت فقال لي: «أما تُحبّ أن أدفع إليك قميصاً من ثياب جسدي تكفّن فيه إذا فنى أجلك؟ أو ما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟»
فقلت: ياسيدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغمّ بفراقك فرفع (عليه السلام) الوسادة وأخرج قميصاً فدفعه إليّ ورفع جانب المصلى فأخرج دراهم فدفعها إليّ فعددتها فكانت ثلاثين درهماً(5).
ومنها: أيضاً ما رواه ابن شهرآشوب عن سليمان الجعفري أنّه قال: كنتُ مع الرضا (عليه السلام) في حائطٍ له وأنا معه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويُكثر الصياح ويضطرب فقال لي: ياسُليمان تدري ما يقول العصفور؟ قلت: لا. قال: إنّه يقول: إنّ حيّة تأكل أفراخي في البيت فقم فخذ النبعة في يديك ـ يعني العصا ـ وأدخل البيت واقتل الحيّة فأخذت النبعة ودخلتُ البيت فإذا حية تجول في البيت فقتلتها(6).
3ـ شهادته (عليه السلام):
لما استتب الأمر للمأمون أخذ الجلاوزة والوشاة يهوّلون عليه خطر الإمام الرضا (عليه السلام) وهو في المدينة لم يكن بصدد القيام بثورة ضدّه لكون تلك الأمور مرهونة بأوقاتها وأوامرها الإلهية ولكن مع هذا كلّه ذكروا له أنّه لا راحة لبالك إلاّ أن تأتي بعلي بن موسى الرضا إلى مدينة خراسان ليكون تحت نظرك وقريب منك تعلم بشرّه وخيره فاستجاب لهم وأُتي بالإمام (عليه السلام) مع بعض أهل بيته وعياله بعد عناء السفر الطويل وصل الإمام (عليه السلام) لمدينة «مرو» وقد عرض المأمون على الإمام ولاية العهد إلاّ أن الإمام (عليه السلام) رفضها بأشدّ الرفض قائلاً له: «أتريد أن يقال أن الرضا ما كان زاهداً في الدنيا وإنما هي زاهدة فيه ولذا عندما عرضت عليه ولاية العهد قبلها لا والله ما كنت راضياً بذلك من تلقاء نفسي أبداً. فقبل مكرهاً قائلاً: لقد نهاني الله أن ألقي نفسي بالتهلكة وقبلها بشرط أنه لا يأمر ولا ينهي ولا يعزل ولا يولي ولا يتكلم بين اثنين في حكومة ولا يغيّر شيئاً مما هو قائم على أصله.
فأجابه المأمون ذلك ثم المأمون جلس مجلساً خاصاً لخواص أهل دولته من الأمراء والوزراء والحجاب والكتاب وأهل الحل والعقد وكان ذلك في يوم الخميس لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين(7). وبعد فترة لم يرقَ للمأمون ما صنعه للإمام الرضا (عليه السلام) من ولاية العهد وندم على فعلته هذه وإن حبّ الناس ما زال يزداد يوماً بعد يوم للإمام (عليه السلام) مما دعاه أن يفكر بالقضاء عليه (سلام الله عليه) وبالفعل صمّم على قتل الإمام فقد روى السيد الشبلنجي في "نور الأبصار" عن هرثمة بن أعين وكان من خدم المأمون وكان قائماً بخدمة الإمام الرضا (عليه السلام) قال: طلبني سيّدي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) في يوم من الأيام وقال لي: «ياهرثمة إنّي مطلعك على أمر يكون سرّاً عندك لا تظهره لأحد مدّة حياتي فإذا أظهرته مدّة حياتي كنت خصماً لك عند الله» فحلفت له إنّي لا أتفوه بما يقوله لي لأحد مدّة حياته. فقال لي: «إعلم ياهرثمة أنّه قد دنا رحيلي ولحوقي بآبائي وأجدادي وقد بلغ الكتاب أجله وإنّي أطعم عنباً ورماناً مفتوتاً فأموت ويقصد الخليفة أن يجعل قبري خلف قبر أبيه هارون الرشيد وإن الله لا يقدره على ذلك وأن الأرض تشد عليهم فلا تعمل فيها المعاول ولا يستطيعون حفرها»(.
وهكذا حصل ما كان أخبر به الإمام الرضا (عليه السلام) فما مرّت الأيام إلاّ وقد فعل الظالم فعلته العظيمة بخليفة الله في الأرض وإمام الإنس والجنّ معاً علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
قال أبو الصلت الهروي: دعاني سيدي ومولاي الرضا (عليه السلام) فلمّا حضرت عنده قال لي: «ياأبا الصلت غداً يبعث علي هذا الفاجر فأدخل عليه فإن أنا خرجت مكشوف الرأس كلّمني وإن أنا خرجت وأنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني»، قال الهروي: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه كأنه ينتظر فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون وقال: أجب أمير المؤمنين.
فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عنب وأطباق الفاكهة وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه فلمّا أبصر الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله العنقود وقال: يابن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا!
فقال الرضا (عليه السلام): «ربّما كان عنب أحسن من هذا في الجنّة» فقال له: كل منه! فقال الرضا (عليه السلام): «اعفني من ذلك». فقال: لابدّ من ذلك وما يمنعك منه لعلّك تتهمنا بشيء فتناول الإمام العنقود وأكل منه ثلاث حبّات ثم رمى به وقام فقال المأمون: إلى أين؟ فقال الرضا (عليه السلام): «إلى حيث وجّهتني إليه».
قال أبو الصلت: وخرج سيدي الرضا (عليه السلام) وهو مغطّى الرأس فلم أكلّمه حتى دخل الدار وأمر أن يغلق الباب فغلق ثم اضطجع على فراشه وراح يتقلّب ويضطرب ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً فبينا أنا كذلك إذا بشاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بإمامي الرضا (عليه السلام) فبادرت إليه وقلتُ له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: «ياأبا الصلت الذي جاء بي من المدينة إلى طوس هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق». فقلت له: مَن أنت؟ فقال: «أنا إمامُك الجواد» ثم مضى نحو أبيه فدخل وأمرني بالدخول معه. فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وضمّه إلى صدره وقبل ما بين عينيه وصار يوصيه بجميع ما أهمّه.
ثم إنّ الإمام الرضا (عليه السلام) مدّد يديه وأسبل رجليه وغمّض عينيه وقضى نحبه صابراً محتسباً مسموماً. فالتفت إليّ الجواد وقال: ياأبا الصلت قم فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، فقال لي: انتهِ لما أمرتك به! فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمّرت ثيابي لأغسله فقال لي: تنحّ ياأبا الصلت! فأن مَن يعينني غيرك فغسلّه ثم قال: إدخل الخزانة فاخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفّنه وصلّى عليه ثم قال: إئتني بالتابوت! فقلت: امضِ إلى النجّار حتى يصلح التابوت، قال: «قم فإن في الخزانة تابوتاً» فدخلتُ الخزانة فوجدتُ تابوتاً لم أرَ قط فأتيته به، فأخذ الرضا (عليه السلام) بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت وصفّ قدميه وصلّى عليه(9).
فإنا لله وإنا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد أيّ منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. (1) اعلام الورى: 302-315. (2) بحار الأنوار 49 : 9. (3) علل الشرائع 1 : 237. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 170. (5) بحار الأنوار 49 : 36. (6) مناقب آل أبي طالب 3 : 447. (7) بحار الأنوار 49 : 11. ( نور الأبصار: 176. (9) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 273. | |
|