موكب الامام محمد الجواد (ع)
اللهم احفظ خدام موكب الامام محمد بن علي الجواد علية السلام من كل مكروه
موكب الامام محمد الجواد (ع)
اللهم احفظ خدام موكب الامام محمد بن علي الجواد علية السلام من كل مكروه
موكب الامام محمد الجواد (ع)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موكب الامام محمد الجواد (ع)

منتدى اسلامي ثقافي تربوي اجتماعي يختص بنشر ثقافة اهل البيت عليهم السلام وينشر فعاليات خدام الموكب في جميع المناسبات
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
خدمة زوار ابي عبدالله الحسين علية السلام شرف لنا
عاش الحق واهل الحق نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) SXdK1 عاش الحق واهل الحق
اللهـــــــــــم احفظ العراق واهل العراق نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) SXdK1 اللهـــــــــــــم انصر الحق وبارك باعمال خدام الموكب
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» 10-محرم 1434 - المقتل - موكب الامام محمد الجواد ع
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-12-01, 1:11 pm من طرف ابو نور

» 10-محرم 1434 - المقتل - موكب الامام محمد الجواد ع
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-12-01, 12:38 pm من طرف ابو نور

» التشابية السنوية لفاجعة كربلاء 10 محرم 25-11-2012 -1
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-11-28, 3:18 pm من طرف ابو نور

» التشابية السنوية لفاجعة كربلاء 10 محرم 25-11-2012
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-11-28, 2:20 am من طرف ابو نور

» صور راقية
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-11-24, 5:45 pm من طرف ابو نور

» نغمات حسينية --- 3
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-10-13, 4:05 am من طرف ابو نور

» 9- صفر / 1433 2/1/2012 الزحف الى كربلاء 2
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-09-21, 9:25 pm من طرف ابو نور

» 9- صفر / 1433 1/1/2012 الزحف الى كربلاء 1
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-09-21, 9:02 pm من طرف ابو نور

» 7- صفر / 1433 1/1/2012 استشهاد الامام الحسن المجتبى علية السلام
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-09-21, 8:25 pm من طرف ابو نور

أبريل 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو نور
Admin



عدد المساهمات : 198
نقاط : 591
تاريخ التسجيل : 12/07/2012

نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty
مُساهمةموضوع: نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)   نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام) Empty2012-09-13, 3:46 pm





نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)


لقد توفّرت للإمام زين العابدين(عليه السلام) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول(صلى الله عليه وآله) ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء على أداء رسالته. نشأ الامام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه [إشارة لقوله تعالى: (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار). النور (24) : 36 ـ 37. ]
ومنذ الأيام الاُولى من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية. كما عاش الإمام(عليه السلام) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسبطه الأول، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام(عليه السلام) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علىّ(عليهما السلام) الذي رأى في ولده علي زين العابدين(عليه السلام) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته. لقد ولد الإمام زين العابدين(عليه السلام) في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (36 هـ )[الإرشاد : 2/137، ومناقب آل أبي طالب : 4/189، والإقبال : 621 ، ومصباح الكفعمي: 511 ، والأنوار البهية: 107 قال: سنة 36 يوم فتح البصرة. ]
يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام علي(عليه السلام) لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة الى الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (94 أو 95 هـ ). وهناك من المؤرخين ذكر أنّه ولد في سنة (38 هـ ) وفي مدينة الكوفة حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبط(عليه السلام) مع أهله عن أبيه(عليه السلام) في هذه الفترة بشكل خاص[تاريخ أهل البيت، لابن أبي الثلج البغدادي م 325 : 77]
اُمّـهُ :
اسمها «شهربانو» أو «شهر بانويه» أو «شاه زنان» بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس[رغم أنّ أغلب المؤرخين متفقون على أنّ اُم الإمام السجاد (عليه السلام) هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن هناك من يعتبر ذلك مجرد اُسطورة، راجع زندگانى علي بن الحسين(عليه السلام) للسيد جعفر الشهيدي. والإسلام وايران للشهيد مطهري: 100 ـ 109 وحول السيدة شهر بانو للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين(عليه السلام): 24/14 ـ 39 ، والثابت أن اُمّ الإمام السجاد(عليه السلام) سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا]، وذكر البعض أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه[سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : 2 / 189، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) الطبعة الاُولى 1414 هـ].
كُـناه :
أبو الحسن، أبو محمّد، أبو الحسين، أبو عبد الله[حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل: 390].

ألقابـه:

«زين العابدين» و «ذو الثفنات» و «سيّد العابدين» و «قدوة الزاهدين» و «سيّد المتّقين» و «إمام المؤمنين» و «الأمين» و «السجّاد» و «الزكي» و «زين الصالحين» و «منار القانتين» و «العدل» و «إمام الاُمّة» و «البكّاء»، وقد اشتهر بلقبي «السجاد» و «زين العابدين» أكثر من غيرهما. إنّ هذه الألقاب قد منحها الناس للإمام عندما وجدوه التجسيد الحيّ لها، والمصداق الكامل لـ : (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)[الفرقان (25) : 63]، وبعض الذين منحوه هذه الألقاب لم يكونوا من شيعته، ولم يكونوا يعتبرونه إماماً من قبل الله تعالى، لكنّهم ما استطاعوا أن يتجاهلوا الحقائق التي رأوها فيه.
لقد ذكر المؤرّخون ما يبيّن لنا بعض العلل التأريخية لجملة من هذه الألقاب المباركة:
1 ـ روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال(صلى الله عليه وآله): «يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم (سيّد العابدين) فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام»[إحقاق الحق : 12 / 13 ـ 16، والبداية والنهاية لابن كثير : 9 / 106].
2 ـ كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين(عليه السلام) قال: حدّثني «زين العابدين» عليّ بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولِمَ تقول له زين العابدين؟ قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأنـّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطر (يخطو) بين الصفوف»[علل الشرائع : 1/269، والأمالي : 331 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 2 الحديث 1 و 2]؟
3 ـ وجاء عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتّين، في كلّ مرة خمس ثفنات، فسمّي ذا الثفنات لذلك»[علل الشرائع : 1/273 ومعاني الأخبار : 65 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 6].
4 ـ كما جاء عنه عن كثرة سجود أبيه: ما ذكر لله عزّوجلّ نعمة عليه إلاّ وسجد، ولا دفع الله عنه سوءً إلاّ وسجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ وسجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي بالسجّاد[علل الشرائع : 1/272 وعنه في بحار الأنوار: 46/6 ح 10].
ظواهر فذّة في حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
تميّزت حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) بمظاهر فذّة، وهي وإن كانت متوفرة في حياة آبائه الطاهرين وأبنائه الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) إلاّ أنّها برزت في سيرته(عليه السلام) بشكل أكثر وضوحاً وأوسع دوراً، ممّا دعانا إلى تسليط الضوء عليها أشدّ من غيرها، وهي: أ ـ ظاهرة العبادة . ب ـ ظاهرة الدعاء. ج ـ ظاهرة البكاء . د ـ ظاهرة الإعتاق. فإذا سبرنا حياة الأئمّة (عليهم السلام) وجدناهم ـ كلّهم ـ يتميّزون في هذه المظاهر على أهل زمانهم، إلاّ أنّها في حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) تجلّت بقوة، حتى كان (عليه السلام) فريداً في كلّ منها.

ظاهرة العبادة في حياة الإمام (عليه السلام):

أجمع معاصروا الإمام زين العابدين(عليه السلام) على أنّه كان من أعبد الناس وأكثرهم طاعة لله تعالى، ولم ير الناس مثله في عظيم إنابته وعبادته، وقد بهر بها المتّقون والصالحون، وحسبه أنّه وحده الذي قد لُقّب بزين العابدين وسيّد الساجدين في تأريخ الإسلام.
أمّا عبادته(عليه السلام) فكانت ناشئة عن إيمانه العميق بالله تعالى وكمال معرفته به، وقد عبده لا طمعاً في جنّته ولا خوفاً من ناره، وإنّما وجده أهلاً للعبادة فعبده، وشأنه في ذلك شأن جدّه أمير المؤمنين وسيّد العارفين وإمام المتّقين، وقد أعرب (عليه السلام) عن عظيم إخلاصه في عبادته بقوله: «إنّي أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلاّ ثوابه، فأكون كالعبد الطامع إن طمع عمل وإلاّ لم يعمل، وأكره أن أعبده لخوف عذابه، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل...».
فانبرى إليه بعض الجالسين فقال له: فبم تعبده؟ فأجابه عن خالص إيمانه: «وأعبُدُه لما هو أهله بأياديه وإنعامه»[حياة الإمام زين العابدين: 187 نقلاً عن تفسير الإمام الحسن العسكري]. ولقد مَلأ حبّ الله تعالى قلب الإمام(عليه السلام) وسخّر عواطفه فكان مشغولاً بعبادة الله وطاعته في جميع أوقاته، وقد سُئلت جارية له عن عبادته فقالت: اُطنب أو أختصر؟ قيل لها: بل اختصري. فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً قطّ، وما فرشت له فراشاً بليل، قطّ[الخصال: 488].
لقد قضى الإمام(عليه السلام) معظم حياته صائماً نهاره، قائماً ليله، مشغولاً تارةً بالصلاة، واُخرى بالدعاء.
عبادة الإمام :
1 ـ وضوؤه :

الوضوء هو نور وطهارة من الذنوب، والمقدمة الاولى للصلاة، وكان الإمام(عليه السلام) دوماً على طهارة، وقد تحدّث الرواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا: إنّه إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيبهم قائلاً: «أتدرون بين يدي مَن أقوم؟!»[ نهاية الإرب : 21 / 326، سير أعلام النبلاء : 4 / 238 ].

2 ـ صلاته :

أمّا الصلاة فمعراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ كما في الحديث الشريف ، وكانت الصلاة من أهم الرغبات النفسية للإمام(عليه السلام) فقد اتّخذها معراجاً ترفعه إلى الله تعالى، وكانت تأخذه رعدة إذا أراد الشروع في الصلاة، فقيل له في ذلك فقال: «أتدرون بين يدي من أقوم، ومن اُناجي؟!»[ الخصال : 2 / 620].
ونعرض لبعض شؤونه في حال صلاته.
أ ـ تطيّبه للصلاة: وكان الإمام إذا أراد الصلاة تطيّب من قارورة كان قد جعلها في مسجد صلاته[بحار الأنوار : 46 / 58].
ب ـ لباسه في صلاته: وكان الإمام(عليه السلام) إذا أراد الصلاة لبس الصوف وأغلظ الثياب[بحار الأنوار : 46 / 108]، مبالغة منه في إذلال نفسه أمام الخالق العظيم.
ج ـ خشوعه في صلاته : كانت صلاته تمثّل الانقطاع التامّ إلى الله جلّ جلاله والتجرّد من عالم المادّيات، فكان لا يحسّ بشيء من حوله، بل لا يحسّ بنفسه فيما تعلّق قلبه بالله تعالى، ووصفه الرواة في حال صلاته، فقالوا: كان إذا قام إلى الصلاة غشي لونه بلون آخر، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يقف في صلاته موقف العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وكان يصلّي صلاة مودِّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبداً[حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام): 190]. وتحدّث الإمام الباقر(عليه السلام) عن خشوع أبيه في صلاته فقال: «كان عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة كأنـّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حركت الريح منه»[وسائل الشيعة : 4 / 685]. ونقل أبان بن تغلب إلى الإمام الصادق(عليه السلام) صلاة جدّه الإمام السجاد(عليه السلام) فقال له: إنّي رأيت عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة غشي لونه بلون آخر، فقال له الإمام الصادق(عليه السلام): «والله إنّ عليّ بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه...»[المصدر السابق].
وكان من مظاهر خشوعه في صلاته أنّه إذا سجد لا يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً[تهذيب الأحكام : 2 / 286 ح1146] أو كأنّه غمس في الماء من كثرة دموعه وبكائه[بحار الأنوار : 46 / 108]، ونقل عن أبي حمزة الثمالي أنّه رأى الإمام قد صلّى فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوّه فسأله أبو حمزة عن ذلك فقال له: «ويحك، أتدري بين يدي مَنْ كنتُ؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه»[علل الشرائع: 88 ، بحار الأنوار : 46 / 61].
د ـ صلاة ألف ركعة : وأجمع المترجمون للإمام(عليه السلام) أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة[تهذيب التهذيب : 7 / 306، نور الأبصار : 136، الإتحاف بحب الأشراف : 49، ومصادر اُخرى]، وأنّه كانت له خمسمائة نخلة، فكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين[بحار الأنوار : 46 / 61، الخصال : 487]ونظراً لكثرة صلاته; فقد كانت له ثفنات في مواضع سجوده كثفنات البعير، وكان يسقط منها في كلّ سنة، فكان يجمعها في كيس، ولمّا توفّي (عليه السلام) دفنت معه[ الخصال: 488].
هـ ـ كثرة سجوده : إنّ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو في حال سجوده كما في الحديث الشريف، وكان الإمام(عليه السلام) كثير السجود لله تعالى خضوعاً وتذلّلاً له، وروي: أنّه خرج مرّةً إلى الصحراء فتبعه مولىً له فوجده ساجداً على حجارة خشنة، فأحصى عليه ألف مرّة يقول: «لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً، لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقاً»[وسائل الشيعة : 4 / 981]. وكان يسجد سجدة الشكر، ويقول فيها مئة مرّة: «الحمد لله شكراً»، ثمّ يقول: «يا ذا المنّ الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصيه غيره عدداً، ويا ذا الجود الذي لا ينفد أبداً، يا كريم، يا كريم» ويتضرّع بعد ذلك ويذكر حاجته[وسائل الشيعة : 4 / 1079].
و ـ كثرة تسبيحه : وكان دوماً مشغولاً بذكر الله تعالى وتسبيحه وحمده، وكان يسبّح الله بهذه الكلمات: «سبحان من أشرق نوره كلّ ظلمة، سبحان من قدّر بقوته كلّ قدرة، سبحان من احتجب عن العباد بطرائق نفوسهم فلا شيء يحجبه، سبحان الله وبحمده»[دعوات القطب الراوندي: 34].
ز ـ ملازمته لصلاة الليل: من النوافل التي كان لا يَدَعُها الإمام(عليه السلام) صلاة الليل، فكان مواظباً عليها في السفر والحضر[عن صفة الصفوة : 2 / 53 وكشف الغمة : 2 / 263] إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.
ح ـ دعاؤه بعد صلاة الليل : وكان(عليه السلام) إذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الشريف، وهو من غرر أدعية أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وإليك بعض مقاطعه: «اللهمّ يا ذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعزّ الباقي على مرّ الدهور وخوالي الأعوام[خوالي الأعوام: مواضيه] ومواضي الأزمان والأيام، عزّ سلطانك عزاً لا حدّ له بأوّلية ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علوّاً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده[أمده: غايته] ولا يبلغ أدنى ما استأثرت من ذلك أقصى نَعت الناعتين، ضلّت فيك الصفات وتفسّخت[ تفسخت : أي تقطّعت وتمزّقت وبطلت، فإنّك فوق نعت الناعتين]دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام، كذلك أنت الله الأوّل في أوّليّتك، وعلى ذلك أنت دائمٌ لا تزول، وأنا العبد الضعيف عملاً الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات[الوصلات: وُصلة ـ بالضم ـ وهي ما يتوصل به إلى المطلوب، يعني أنّه قد فاتتني الأسباب التي يتوصل بها إلى السعادات الاُخروية إلاّ السبب الذي هو رحمتك فانه لا يفوت من أحد، لأنّها وسعت كلّ شيء] إلاّ ما وصله رحمتك، وتقطّعت عنّي عصم[عِصَم: جمع عصمة، وهي الوقاية والحفظ] الآمال إلاّ ما أنا معتصم به من عفوك، قلّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر عليّ ما أبوء[ما أبوء: أقرّ وأرجع] به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفوٌ عن عبدك، وإن أساء فاعف عنّي...».
«اللهمّ إنّي أعوذ بك من نار تغلّظت بها على مَن عصاك، وتوعّدت بها على من صدف[ صدف: خرج وأعرض] عن رضاك، ومن نار نورها ظلمة، وهيّنها أليم، وبعيدها قريب، ومن نار يأكل بعضها بعضٌ، ويصول[يصول: من الصولة بمعنى الحملة] بعضُها على بعض، ومن نار تذر[ذر: تترك] العظام رميماً[رميماً: باليا]، وتسقي أهلها حميماً[ حميماً: ماء شديد الحرارة]، ومن نار لا تبقي على مَن تضرّع اليها، ولا ترحم من استعطفها، ولا تقدر على التخفيف عمّن خشع لها واستسلم اليها، تلق سكانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال[ النكال: العقوبة] وشديد الوبال[ الوبال: الوخامة وسوء العاقبة]...»[ الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء 32].
وذبل الإمام(عليه السلام) من كثرة العبادة وأجهدته أيّ إجهاد، وقد بلغ به الضعف أنّ الريح كانت تميله يميناً وشمالاً بمنزلة السنبلة[ الإرشاد: 272، روضة الواعظين : 1 / 237] التي تميلها الريح. وقال ابنه عبد الله: كان أبي يصلّي بالليل فإذا فرغ يزحف إلى فراشه[بحار الأنوار : 46 / 99].
وأشفق عليه أهله ومحبّوه من كثرة ما بان عليه من الضعف والجهد من كثرة عبادته، فكلّموه في ذلك لكنّه(عليه السلام) أصرّ على شدّة تعبّده حتى يلحق بآبائه، قال له أحد أبنائه: يا أبت كم هذا الدؤوب ( يعني الصلاة )؟ فأجابه الإمام(عليه السلام): «أتَحَبّبُ إلى ربّي»[المصدر السابق : 46 / 99].
وقال جابر بن عبدالله الأنصاري للإمام(عليه السلام): ياابن رسول الله! أما علمت أنّ الله تعالى إنّما خلق الجنّة لكم ولمن أحبّكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟ فأجابه الإمام(عليه السلام): «يا صاحب رسول الله، أما علمت أنّ جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يَدَع الإجتهاد له، وتعبّد ـ بأبي واُمي ـ حتى انتفخ ساقه وورم قدمه، وقد قيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال(صلى الله عليه وآله): أفلا أكون عبداً شكوراً؟».
فقال له جابر: ياابن رسول الله، البُقْيا على نفسك، فإنّك من اُسرة بهم يستدفع البلاء، وبهم يستكشف الأدواء، وبهم تُستمطر السماء...» فأجابه الإمام(عليه السلام): «لا أزال على منهاج أَبَوَيَّ متأسِّياً بهما حتى ألقاهما...»[مناقب آل أبي طالب : 4/161 ، 162 ].

3 ـ صومـه :

وقضى الإمام معظم أيام حياته صائماً، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته: «ما قدّمتُ له طعاماً في نهار قطّ» وقد أحبَّ الصومَ وحثَّ عليه إذ قال (عليه السلام): «إنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالصائمين»[دعوات الراوندي: 4]، وكان(عليه السلام) لا يفطر إلاّ في يوم العيدين وغيرهما ممّا كان له عذر. وكان له شأن خاص في شهر رمضان، أنّه لم يترك نوعاً من أنواع البِرّ والخير إلاّ أتى به، وكان لا يتكلم إلاّ بالتسبيح والإستغفار والتكبير، وإذا أفطر قال: «اللّهم إن شئت أن تفعل فعلت»[فروع الكافي : 4 / 88].
وكان(عليه السلام) يستقبل شهر رمضان بشوق ورغبة لانّه ربيع الأبرار، وكان يدعو لدى دخول شهر الله تعالى بدعاء نقتطف منه بعض الفقرات، قال(عليه السلام): «الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله ; لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين. والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصّنا بملّته، وسَبَّلَنا[سبّلنا: أدخلنا]
في سُبُلِ إحسانه، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه... والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام... اللّهم صلّ على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفّظ ممّا حظرت فيه، وأعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نُصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلاّ ما أحلَلْت، ولا تنطق ألسنتنا إلاّ بما مثّلت، ولا نتكلّف إلاّ ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلاّ الذي يقي من عقابك، ثم خلّص ذلك كلّه من رئاء المرائين وسُمعة المسمعين، لا نُشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك... اللهمّ اشحنه[أي : املأه بعبادتنا إيّاك] بعبادتنا إيّاك، وزيّن أوقاتنا بطاعتنا لك، وأعنّا في نهاره على صيامه، وفي ليله على الصلاة والتضرع اليك والخشوع لك والذلّة بين يديك حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ولا ليله بتفريط. اللهمّ واجعلنا في سائر الشهور والأيام كذلك ما عمّرتنا...»[ الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء 44].
وكان الإمام زين العابدين(عليه السلام) في كلّ يوم من أيام شهر رمضان يأمر بذبح شاة وطبخها... فإذا نضجت يقول: «هاتوا القصاع» ويأمر بأن يُفرَّق على الفقراء والأرامل والأيتام حتى يأتي على آخر القدور ولا يبقي شيئاً لإفطاره، وكان يفطر على خبز وتمر[ بحار الأنوار : 46 / 72].
ومن مَبَرّات الإمام(عليه السلام) في شهر رمضان المبارك كثرة عتقه وتحرير أرقّائه من رقّ العبودية، على أنهم كانوا يعيشون في ظلاله محترمين، فكان يعاملهم كأبنائه، وكان(عليه السلام) لا يعاقب أمةً ولا عبداً إذا اقترفا ذنباً، وإنّما كان يسجّل اليوم الذي أذنبوا فيه، فإذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وأظهر الكتاب الذي سجّل فيه ذنوبهم، ويقول: «ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين! إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّ ما عملتَ، كما أحصيت علينا ما عملناه، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها، وتجد كلّ ما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعف واصفح، كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعف عنّا تجده عَفُوّاً، وبك رحيماً ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً... كما لديك كتاب ينطق بالحقّ علينا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناه إلاّ أحصاها، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك الحَكَم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح، فإنّه يقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)[ سورة النور (24) : 22].
وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي تمثّل انقطاعه التامّ إلى الله تعالى واعتصامه به، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى ويقول: «ربِّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سُؤّالاً ومساكين، وقد أنَخْنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كَرُمتَ فأكرِمني، إذ كنت من سُؤّالك وجُدْتَ بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم...».
ثم يُقبِلُ عليهم بوجهه الشريف وقد تبلّل من دموع عينيه قائلاً لهم بعطف وحنان: «قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي؟ وممّا كان منّي من سوء ملكة، فإنّي مليك سوء لئيم ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضّل...» وينبري العبيد قائلين له: قد عفونا عنك يا سيّدنا، فيقول لهم: «قولوا: اللهمّ اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق». فيقولون ذلك، ويقول بعدهم: «اللهمّ آمين ربّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي» فإذا كان يوم عيد الفطر أجازهم جائزة سنيّة تغنيهم عمّا في أيدي الناس[بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105].

4 ـ دعاؤه :

أ ـ دعاؤه في الأسحار : وكان الإمام(عليه السلام) يناجي ربّه ويدعوه بتضرّع وإخلاص في سحر كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان بالدعاء الجليل الذي عرف بدعاء أبي حمزة الثمالي; لأنّه هو الذي رواه عنه، وهو من غرر أدعية أهل البيت(عليهم السلام) وهو يمثّل مدى إنابته وانقطاعه إلى الله تعالى كما أنّ فيه من المواعظ ما يوجب صرف النفس عن غرورها وشهواتها، كما يمتاز بجمال الاُسلوب وروعة البيان وبلاغة العرض، وفيه من التذلّل والخشوع والخضوع أمام الله تعالى ما لا يمكن صدوره إلاّ عن إمام معصوم.
وقد احتلّ هذا الدعاء مكانة مهمّة في نفوس الأخيار والصلحاء من المسلمين، إذ واظبوا على الدعاء به، وممّا قاله الإمام (عليه السلام) في دعائه: «إلهي، لا تؤدّبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا ربّ ولا يوجد إلاّ من عندك؟ ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلاّ بك؟ لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك... بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني اليك، ولو لا أنت لم أدر ما أنت.
الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني... أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ اُناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعتُ، وإذا رأيت كرمك طمعت... يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، فوعزّتك يا سيّدي لو نهرتني ما برحتُ[بَرحَ المكان ومنه: زال عنه]من بابك ولا كففت عن تملّقك[تملقك: التودّد اليك] لما انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك... اللهمّ إنّي كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت، ما لي كلّما قلتُ قد صلُحت سريرتي[سريرتي: نيّتي] وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك.
سيدي لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني، أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني... إلهي، لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك[السَيْب: العطاء] من بين الأشهاد ودللت على فضايحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين الأبرار; ما قطعتُ رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي... ارحم في هذه الدنيا غربتي، وعند الموت كربتي،
وفي القبر وحدتي، وفي اللحد وحشتي، وإذا نُشرتُ للحساب بين يديك ذلّ موقفي، واغفر لي ما خفي على الآدميّين من عملي، وأدم لي مابه سترتني، وارحمني صريعاً على الفراش، تقلّبني أيدي أحبّتي، وتفَضَّل عليّ ممدوداً على المغتسل يقلّبُني صالح جيرتي، وتحنّنْ عليّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجُد عليّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك...»[راجع : مفاتيح الجنان «الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي»].
وكان الإمام(عليه السلام) يتأثّر إذا انطوت أيام شهر رمضان; لأنّه عيد أولياء الله تعالى، وكان يودّعه بدعاء جليل نقتطف منه ما يلي: «السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه. السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيام والساعات.
السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال. السلام عليك من قرين جلّ قدره موجوداً، وأفْجع فقده مفقوداً، ومرجوٍّ آلم فراقه. السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فسرّ، وأوحش منقضياً فمضّ[مضّ : آلَم]. السلام عليك من مجاور رقّت فيه القلوب، وقلّت فيه الذنوب. السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان. السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك، وأشدّ شوقنا غداً إليك. اللهمّ اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر[ انسلخ الشهر: مضى] من خطايانا، وأخرجنا بخروجه من سيئاتنا، واجعلنا من أسعد أهله به، وأجزلهم قسماً فيه، وأوفرهم حظّاً منه...»[راجع : الصحيفة السجادية «الدعاء في وداع شهر رمضان»].
مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

الحـلـم :

كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون :
1 ـ كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عزّوجلّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً : «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام(عليه السلام): «عفا الله عنك»، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين) فقال (عليه السلام) لها: «إذهبي فأنت حرّة»[ أمالي الصدوق : 168 ح 12 والارشاد : 2/146 ، ومناقب آل أبي طالب : 4/157، تاريخ دمشق : 36/155 وابن منظور في مختصره: 17/240 ، وسير أعلام النبلاء : 4/397 ، ونهاية الارب : 21/326]
. 2 ـ سبّه لئيمٌ فأشاح(عليه السلام) بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني... وأسرع الإمام قائلاً: «وعنك اُغضي...» وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل[2].
3 ـ ومن عظيم حلمه (عليه السلام): أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه، فقال(عليه السلام) له: «إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك...»[ الإرشاد : 1/146 عن نسب آل أبي طالب للعبيدلي النسّابة م 270 ه ].

السخاء :

أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها:
1 ـ مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام (عليه السلام) ، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام(عليه السلام): ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام(عليه السلام): هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له[ الإرشاد : 2/149، ومناقب آل أبي طالب : 4/163 وراجع: البداية والنهاية : 9 / 105، وسير أعلام النبلاء : 4 / 239].
2 ـ ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره[أريخ اليعقوبي : 2 / 259 ط بيروت].
3 ـ وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس[مناقب آل أبي طالب: 4/166 عن الباقر(عليه السلام) وعن أحمد بن حنبل، وكشف الغمة: 2/289 عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء ، وفي الكشف : 2/312، عن الجنابذي، ولكن فيه: 2/304 عنه أيضاً عن الصادق(عليه السلام) قال: كان يعول سبعين بيت].

تعامله مع الفقراء :

أ ـ تكريمه للفقراء : كان(عليه السلام) يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة[حلية الأولياء : 3 / 137، وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4/167]، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له: «مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة»[كشف الغمة : 3/288 عن مطالب السؤول للشافعي عن حلية الأولياء للاصفهاني].
ب ـ عطفه على الفقراء: كان(عليه السلام) كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه[مناقب آل أبي طالب : 4/166 و 167 عن الباقر (عليه السلام)]. وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل; وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قال(عليه السلام) لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل: «لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!». وكان يقول: «الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده»[بحار الأنوار : 46 / 62. [11] علل الشرائع : 1/61 ب 42 ح 1 ط بيروت].
ج ـ نهيه عن ردّ السائل: ونهى الإمام(عليه السلام) عن ردّ السائل; وذلك لما له من المضاعفات السيّئة التي منها زوال النعمة وفجأة النقمة. وأكد الإمام(عليه السلام) على ضرورة ذلك في كثير من أحاديثه، فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: صلّيت مع عليّ بن الحسين الفجر بالمدينة يوم جمعة، فلمّا فرغ من صلاته نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاةً له تسمّى سكينة، فقال لها: «لا يعبر على بابي سائل إلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم جمعة»،فقال له أبو حمزة: ليس من يسأل مستحقاً،
فقال(عليه السلام): «أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه، ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله، أطعموهم، أطعموهم، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً فيتصدّق منه، ويأكل منه هو وعياله، وإنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً، له عند الله منزلة اجتاز على باب يعقوب يوم جمعة عند أوان إفطاره، فجعل يهتف على بابه: أطعموا السائل الغريب الجائع من فضل طعامكم، وهم يسمعونه، قد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس منهم وغشيه الليل مضى على وجهه، وبات طاوياً يشكو جوعه إلى الله، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت عبدي ذلة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي، وبلواي عليك وعلى ولدك، يا يعقوب أحبّ أنبيائي إليّ وأكرمهم عليّ من رحم مساكين عبادي وقرّبهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ، أما رحمت عبدي المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر الدنيا؟! أما وعزّتي لأنزلنّ بك بلواي، ولأجعلنّك وولدك غرضاً للمصائب. فقال أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟ قال(عليه السلام): في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات السائل الفقير طاوياً جائعا11]. ً»

صدقـاته :

وكان من أعظم ما يصبو إليه الامام زين العابدين(عليه السلام) في حياته الصدقة على الفقراء لإنعاشهم ورفع البؤس عنهم، وكان(عليه السلام) يحثّ على الصدقة; وذلك لما يترتّب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال: «ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في تلك الساعة إلاّ استجيب له»[ وسائل الشيعة : 6 / 296]. ونشير إلى بعض ألوان صدقاته وجميل خصاله :
أ ـ التصدّق بثيابه: كان(عليه السلام) يلبس في الشتاء الخزّ، فإذا جاء الصيف تصدّق به أو باعه وتصدّق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر ويتصدّق بهما إذا جاء الشتاء[تأريخ دمشق : 36 / 161]، وكان يقول: «إني لأستحي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه»[ مناقب آل أبي طالب : 4/167 عن حلية الأولياء : 3/136 ـ 140].
ب ـ التصدّق بما يحبّ: كان يتصدّق باللوز والسكَّر، فسئل عن ذلك فتلا قوله تعالى: (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبّون)[مناقب آل أبي طالب: 4/167]. وروي أنّه كان يعجبه العنب، وكان صائماً فقدّمت له جاريته عنقوداً من العنب وقت الإفطار، فجاء سائل فأمر بدفعه إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه، وقدّمته إلى الامام، فطرق سائل آخر الباب، فأمر(عليه السلام) بدفع العنقود إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه وقدّمته للإمام، فطرق سائل ثالث الباب فدفعه الإمام إليه[المحاسن: 2/361 طبعة المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)، وفروع الكافي : 6 / 350].
ج ـ مقاسمة أمواله : وقاسم الإمام أمواله مرّتين فأخذ قسماً له، وتصدّق بالقسم الآخر على الفقراء والمساكين[ مناقب آل أبي طالب : 4/167 عن حلية الأولياء : 3 / 140 ، وجمهرة الأولياء : 2 / 71، وخلاصة تهذيب الكمال: 231].
د ـ صدقاته في السرّ : وكان أحبّ شيء عند الإمام(عليه السلام) الصدقة في السر، لئلاّ يعرفه أحد، وقد أراد أن يربط نفسه ومن يعطيهم من الفقراء برباط الحبّ في الله تعالى، وتوثيقاً لصلته بإخوانه الفقراء بالإسلام، وكان يحثّ على صدقة السرّ ويقول: «إنّها تطفئ غضب الربّ»[مناقب آل أبي طالب : 4/165 عن الثمالي والثوري، وفي تذكرة الحفاظ : 1 / 75 واخبار الدول: 110 ونهاية الإرب : 21 / 326، وكشف الغمة : 2/289 عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء. وفي الكشف : 2/312 عن الجنابذي عن الثوري عنه(عليه السلام) كان يقول: إنّ الصدقة تطفئ غضب الرب. بدون قيد السّر]. وقد اعتاد الفقراء على صلة لهم في الليل، فكانوا يقفون على أبوابهم ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا وقالوا: جاء صاحب الجراب[مناقب آل أبي طالب : 4/166]. وكان له ابن عم يأتيه بالليل فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول له العلوي: إنّ عليّ بن الحسين لا يوصلني، ويدعو عليه، فيسمع الإمام ذلك ويغضي عنه، ولا يُعرّفه بنفسه، ولمّا توفّي(عليه السلام) فقد الصلة، فعلم أنّ الذي كان يوصله هو الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام) فكان يأتي قبره باكياً ومعتذراً منه[كشف الغمة : 2/319 عن نثر الدرر للآبي].
وقال ابن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات عليّ بن الحسين[حلية الأولياء وعنه في مناقب آل أبي طالب : 4/166 وكشف الغمة : 2/290 عن مطالب السؤول عن الحلية: 4/136 وفي البداية والنهاية لابن كثير : 9/114، وصفة الصفوة : 2 / 54، الإتحاف بحب الأشراف: 49 والأغاني : 15 / 326]. وكان(عليه السلام) شديد التكتّم في صلاته وهباته، فكان إذا ناول أحداً شيئاً غطّى وجهه لئلاّ يعرفه[مناقب آل أبي طالب : 4/166 عن الباقر(عليه السلام)]. وقال الذهبي : إنّه كان كثير الصدقة في السرّ[تذكرة الحفّاظ : 1 / 75]. وكان(عليه السلام) يجعل الطعام الذي يوزّعه على الفقراء في جراب ويحمله على ظهره، وقد ترك أثراً عليه[تأريخ اليعقوبي : 2/303 ط بيروت].
هـ ـ ابتغـاؤه مرضاة الله: ولم يكن الإمام(عليه السلام) يبتغي في برّه وإحسانه إلى الفقراء إلاّ وجه الله عزّوجلّ والدار الآخرة، ولم تكن عطاياه وصدقاته(عليه السلام) مشوبة بأيّ غرض من أغراض الدنيا. قال الزهري: رأيت عليّ بن الحسين في ليلة باردة وهو يحمل على ظهره دقيقاً، فقلت له: يابن رسول الله! ما هذا؟ فأجابه(عليه السلام): «اُريد سفراً، اُعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز».
فقال: هذا غلامي يحمله عنك، فامتنع الإمام من إجابته، وتضرّع الزهري إليه أن يحمله هو بنفسه عنه، إلاّ ان الإمام أصرّ على ما ذهب إليه، وقال له: «ولكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري، ويحسّن ورودي على ما أردُ عليه، أسألك بحق الله لمّا مضيت لحاجتك». وانصرف الزهري عن الإمام، وبعد أيام التقى به، وقد ظنّ أنّه كان على جناح سفر ولم يعِ مراده فقال له: يابن رسول الله، لست أرى لذلك السفر الذي تركته أثراً. فأجابه الإمام(عليه السلام): «يا زهري، ليس ما ظننت، ولكنّه الموت وله أستعدُّ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى في الخير»[علل الشرائع: 1 / 27 وعنه في بحار الأنوار : 46 / 65 ـ 66].

العزّة والإباء :

ومن صفات الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) العزّة والإباء، فقد ورثها من أبيه الحسين سيّد الشهداء(عليه السلام) الذي تحدّى طغاة عصره قائلاً: «والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»[وقعة الطف: 209]. وقد تمثّلت هذه الظاهرة الكريمة في شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام) في قوله: «ما أحبّ أنّ لي بذلّ نفسي حمر النعم»[ الكافي : 2/109 و 111 والخصال : 1/23 وعن الكافي في بحار الأنوار : 71/406 ومعه بيان المؤلف في صفحة كاملة].
وقال في عزة النفس: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا»[حار الأنوار : 78 / 135]. ويقول المؤرخون: إنّ أحدهم أخذ منه بعض حقوقه بغير حق، وكان الإمام(عليه السلام) بمكّة، وكان الوليد بن عبد الملك حينئذ متربّعاً على كرسي الخلافة وقد حضر موسم الحج، فقيل له: لو سألت الوليد أن يردّ عليك حقّك؟ فقال لهم كلمته الخالدة في دنيا العزّ والإباء: «ويحك أفي حرم الله عزّوجلّ أسأل غير الله عزّوجلّ؟! إنّي آنف أن أسأل الدنيا من خالقها، فكيف أسألها مخلوقاً مثلي؟!»[بحار الأنوار : 46 / 64 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت]. ومن عزّته : أنّه ما أكل بقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) درهماً قطّ[مجالس ثعلب 2 : 462 ، وعنه في حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 1/81. وفي مناقب آل أبي طالب: 4/175 عن نافع: شيئاً، بدل: درهما].
الزهد :

لقد اشتهر في عصره(عليه السلام) أنّه من أزهد الناس حتى أنّ الزهري حينما سُئل عن أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين[ بحار الأنوار : 46/62 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت].
ورأى(عليه السلام) سائلاً يبكي فتألّم له وراح يقول: «لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها»[كشف الغمة : 2/318 عن نثر الدرر للآبي، والفصول المهمّة: 192].
وقال سعيد بن المسيب: كان عليّ بن الحسين(عليه السلام) يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحفظ عنه وكتب، وكان يقول: «أيّها الناس، اتّقوا الله واعلموا أنـّكم اليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد اُوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيداً، فردّ اليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك... فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله عزّوجلّ لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ بالله، فازهدوا فيما زهّدكم الله عزّوجلّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من الله في خرابها... جعلنا الله وإيّاكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...»[الكافي : 8 / 72 ـ 76 ، وتحف العقول: 249 ـ 252].

الإنابة إلى الله تعالى :

إنّ اشتهار الإمام بلقب زين العابدين وسيّد الساجدين ممّا يشير إلى وضوح عنصر الإنابة إلى الله والانقطاع اليه في حياة الإمام وسيرته وشخصيّته. على أنّ أدعية الصحيفة السجّادية هي الدليل الآخر على هذه الحقيقة، فإنّ إلقاء نظرة سريعة وخاطفة على عناوين الأدعية يكشف لنا مدى التجاء الإمام إلى الله في شؤون حياته، فما من موقف إلاّ وللإمام فيه دعاء وابتهال وتضرّع، هذا فضلاً عن مضامين الأدعية التي يكاد ينفرد بها هو(عليه السلام) في هذه الصحيفة المعروفة وغيرها، لقد ذاب الإمام في محبّة الله وأخلص له أعظم الإخلاص، وقد انعكس ذلك على جميع حركاته وسكناته.
وممّا رواه المؤرخون: أنّه اجتاز على رجل جالس على باب رجل ثريّ فبادره الإمام قائلاً: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟ فقال الرجل: البؤس (أي: الفقر)، فقال له(عليه السلام): قم فاُرشدك إلى باب خير من بابه وإلى ربّ خير لك منه...» ونهض معه الرجل إلى مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلّمه ما يعمله من الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وطلب الحاجة من الله والالتجاء إلى حصنه الحريز[حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) دراسة وتحليل:1 / 93].
سيرته في بيته :

كان الإمام زين العابدين(عليه السلام) من أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد اُثر عنه أنّه قال: «لَئن أدخل إلى السوق ومعي دراهم ابتاع بها لعيالي لحماً وقد قرموا[قرموا: اشتدّ شوقهم إلى اللحم] أحبّ اليَّ من أن أعتق نسمة»[بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12]. وكان يبكر في خروجه مصبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدّق لعيالي قبل أن أتصدّق . ثم قال: من طلب الحلال، فإنّه من الله عزّوجلّ صدقة عليهم[بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12].
وكان (عليه السلام) يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يخصّ شأناً من شؤونه الخاصة، كما كان يتولّى بنفسه خدمة نفسه خصوصاً فيما يخصّ إلى شؤون عبادته، فإنّه لم يك يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها.
مع أبويه :
وقابل الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان، وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل اُمّك؟ فأجابهم جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً: «أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها»[8].
ومن برّه لأبويه دعاؤه لهما، وهو من أسمى القواعد في التربية الإسلامية الهادفة، وهذه مقاطع من هذه اللوحة الخالدة من دعائه(عليه السلام): « ... واخصص اللهمّ والديّ بالكرامة لديك والصلاة منك يا أرحم الراحمين... وألهمني علم ما يجب لهما عليّ إلهاماً، واجمع لي علم ذلك كلّه تماماً، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفّقني للنفوذ فيما تبصرني من علمه... اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرّهما برّ الاُم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى اُوثر على هواي هواهما، واُقدّم على رضاي رضاهما، واستكثر برّهما بي وإن قلّ، واستقلّ برّي بهما وإن كثر، اللهمّ خفّض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألِن لهما عريكتي، واعطف عليهما قلبي، وصيرني بهما رفيقاً وعليهما شفيقاً... اللهمّ اشكرلهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه منّي في صغري... اللهمّ لا تُنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي إناً من آناء ليلي، وفي كل ساعة من ساعات نهاري... اللهمّ صلّ على محمد وآله، واغفر لي بدعائي لهما، واغفر لهما ببرّهما بي...»[ الصحيفة السجادية، دعاؤه لأبويه].
مع أبنائه:
أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام. فكان ولده الإمام محمد الباقر(عليه السلام) أشهر أئمّة المسلمين، وأكثرهم عطاءً للعلم.
وأمّا ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله وسمّو منزلته العلمية. أمّا ولده زيد فقد كان من أجلّ علماء المسلمين، وقد برعَ في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين المضطهدين، وقاد مسيرتهم الدامية في ثورته التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الاسلامي، وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الاطاحة بالحكم الاُموي[حياة الإمام زين العابدين ، دراسة وتحليل: 55 ـ 56].
وزوّد الإمام (عليه السلام) أبناءه ببعض الوصايا التربوية لتكون منهجاً يسيرون عليه، قال (عليه السلام):
1 ـ «يا بُنيّ، اُنظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا تُرافقهم في طريق» فقال له ولده: من هم؟ قال(عليه السلام): «إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nwralgawad.forumarabia.com
 
نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من أقوال وحكم الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام
»  ألقاب الأمام زين العابدين عليه السلام
» كنى الإمام الحسين عليه السلام
» علوم الإمام (عليه السلام)
» خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) في وصف المتقين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موكب الامام محمد الجواد (ع) :: موكب الامام محمد بن علي الجواد علية السلام :: الامام علي بن الحسين السجاد علية السلام-
انتقل الى: